نشرت الكاتبة وفاء الرشيد في مقالها ليوم الأحد 9/‏‏3/‏‏2025 طرحاً ناقداً لنظام الأوقاف في الشركات العائلية، معتبرة أنه يستخدم كأداة لإقصاء المرأة وحرمانها من حقوقها المالية والإدارية. غير أن هذا الطرح غفل عن حقيقة أن من يتجه إلى استخدام نظام الأوقاف هم المؤسسون أنفسهم، سواء كان الأب أو الإخوة المؤسسين للعمل التجاري، وهم الأقدر على تقييم الحماية الملائمة لكيانهم التجاري واستمراريته، وليس من المنطق أن يقوم الآباء بوضع نظام قانوني يستهدف حرمان بناتهم من حقوقهن كما ذكرت الكاتبة.

بل على العكس، فإن الأوقاف تساهم في حماية الشركات العائلية من التفكك، وهو أمر يصب في مصلحة جميع الورثة، بما فيهم النساء. إذًا، القول بأن الأوقاف هي وسيلة إقصائية يتجاهل الغرض الأساسي من وجودها وهو تحقيق الاستدامة والحفاظ على وحدة الشركات العائلية عبر الأجيال.

الأوقاف ليست أداة للإقصاء بل آلية لتنظيم الملكية

أشارت الكاتبة إلى أن المرأة تُحرم من دورها في الشركات العائلية بسبب الأوقاف، لكن هذا يتجاهل الأساس الذي يقوم عليه هذا النظام. فالإشكالية لا تكمن في نظام الأوقاف نفسه، بل في سوء الإدارة أو غياب الحوكمة داخل بعض الأوقاف العائلية.

إن نظام الأوقاف حين يُطبّق بطريقة صحيحة ووفق الضوابط الشرعية والقانونية، يحقق عدة فوائد جوهرية، منها:

1. ضمان استدامة الشركات العائلية: توزيع الشركات العائلية بين الورثة يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفككها بسبب تضارب المصالح والقرارات الفردية، بينما يساعد نظام الأوقاف في الحفاظ على وحدة الشركة وإدارتها بشكل مؤسسي، مما يضمن استمراريتها لأجيال قادمة.

2. الحد من النزاعات الأسرية: تشير الإحصائيات إلى أن العديد من النزاعات القانونية التي تصل إلى المحاكم تتعلق بالميراث وتوزيع الحصص في الشركات العائلية. الأوقاف توفر آلية واضحة تضع حداً لهذه النزاعات من خلال تحديد إدارة الأصول بطريقة تضمن العدالة وتجنّب الصراعات.

3. حماية جميع الورثة بمن فيهم النساء من استغلال الأفراد الأقوى اقتصادياً أو اجتماعياً في العائلة: فمن دون نظام منظم، قد يتم استغلال النساء فعلاً عبر الإغراء ببيع حصصهن أو الضغط عليهن للتنازل عنها لأفراد أقوى نفوذاً داخل الأسرة.

4. ضمان الحوكمة والشفافية: الوقف يفرض معايير إدارية محددة ويضمن رقابة قانونية على القرارات المالية والإدارية، مما يمنع أي فرد سواء كان ذكرًا أو أنثى من الاستئثار بالقرار داخل الشركة على حساب الآخرين.

تفنيد طرح: المرأة ليست مستبعدة من الأوقاف

إحدى المغالطات تجاهل حقيقة أن المؤسسين، سواء كانوا آباءً أو إخوةً مؤسسين، هم من يختارون نظام الأوقاف كوسيلة للحفاظ على شركاتهم العائلية، وليس من المنطق أن يقوم هؤلاء المؤسسون بوضع نظام يستهدف إقصاء بناتهم أو أخواتهم، بل إن الواقع يثبت أن الأوقاف توفر إطاراً يحمي جميع الورثة، ذكوراً وإناثاً، من مخاطر التفكك والصراعات الداخلية. ولو لم تكن هناك أوقاف لرأينا شركات عائلية تتفتت بسبب توزيع الحصص بين الورثة دون وجود رؤية استراتيجية لحمايتها.

كما أن قولها بأن المرأة تُستبعد من الأوقاف يتجاهل حقيقة أن هناك العديد من النساء في السعودية يتولين نظارة أوقاف عائلية ويدرنها بكفاءة. وهذا يفنّد بأن المرأة محرومة تماماً من الإدارة أو التأثير في قرارات الأوقاف العائلية.

الأوقاف أداة للتنمية وليست للهيمنة الذكورية

بدلًا من تبني خطاب المواجهة الذي يختزل المشكلة في «الذكر الظالم» و«المرأة الضحية»، يجب التركيز على تطوير آليات تضمن الحوكمة الرشيدة للأوقاف، بما يحمي حقوق جميع الورثة، رجالاً ونساءً، ويحقق الاستقرار المالي والاستدامة الاقتصادية.

إن حل المشكلات المتعلقة بإدارة الشركات العائلية لا يكون عبر إنهاء نظام الأوقاف أو التشكيك في جدواه، بل عبر فرض أنظمة حوكمة فعّالة تضمن عدالة التوزيع وتكافؤ الفرص في الإدارة، بصرف النظر عن الجنس. وهذا يتطلب مقترحات تطويرية مثل:

1. فرض إشراف قانوني أكثر صرامة لضمان عدالة توزيع الأرباح بين جميع الورثة.

2. تعزيز مشاركة المرأة في مجالس نظّار الأوقاف عبر سياسات حكومية واضحة تضمن عدم تهميشها.

3. وضع معايير للحوكمة داخل الشركات العائلية الوقفية لضمان الشفافية والمساءلة وعدم استخدام الوقف كأداة للتلاعب أو استبعاد أي طرف.

الخاتمة: الأوقاف بين الحقيقة والمغالطة

إن طرح الأوقاف على أنها مجرد وسيلة لإقصاء المرأة هو قراءة غير دقيقة وغير منصفة لحقيقة هذه الأداة القانونية والشرعية. فالمسألة لا تتعلق بالجنس بقدر ما تتعلق بالإدارة الرشيدة لهذه الأوقاف، والتي تحتاج إلى تطوير آليات حوكمة عادلة تضمن مشاركة جميع الورثة في قراراتها.

وبدلاً من المطالبة بإلغاء الأوقاف أو التشكيك فيها، ينبغي أن يكون النقاش حول كيفية تحسين إدارتها وتعزيز الشفافية فيها، بحيث تحقق هدفها الأساسي: الحفاظ على الشركات العائلية قوية ومستدامة، مع ضمان العدالة لجميع أفراد العائلة دون تمييز.

فالأوقاف لم توضع للتمييز، وإنما للحماية، وأي نقاش حولها يجب أن يكون مبنياً على فهم دقيق لواقعها، وليس على تصورات غير مكتملة تسعى لإثارة الجدل دون طرح حلول حقيقية.